لم يكن قرار مجلس التعاون الخليجي، بإدراج حزب الله اللبناني ضمن الجماعات الإرهابية مفاجئا، فموقف زعيمته مملكة بني سعود، ينبئ بالوصول الى هذا الإنحطاط الأخلاقي، الذي لا يوازيه شيء، من تاريخ عربان الخليج المتصهينين لحد النخاع.
ولم يتأخر موقف مجلس الجامعة العربية، عن الاصطفاف الى جانب القرار الخليجي، واستنساخه، بفارق ان الاجماع الذي حصده قرار مجلس التواطؤ الخليجي، قد اعترض عليه لبنان الذي رفض القرار، وتحفظ عليه العراق، وقد كنا ننتظر أن يعترض عليه بوضوح، وهذا الموقف يطرح سؤالا بديهيا، هيأته مواقف سابقة، قريبة من الخذلان الذي لم ننتظره من الخارجية العراقية، باعتبار أن مكونا من مكونات الحشد الشعبي، الذي يقاتل داعش الارهابية في العراق، هو حزب الله العراقي، كأنما ابراهيم الجعفري قد خرج من جلده، ولبس جلدا آخر يناسب بني سعود.
حزب الله الذي أعاد للعرب الأمل، في مقارعة العدو الصهيوني الكيان الارهابي العنصري، الذي يتسابق العرب اليوم إرضاء لأمريكا والغرب، وعملاؤهم من دويلات الخليج لكسب وده على حساب فلسطين وقضية الشعب الفلسطيني المظلوم، يصنفه العرب عربانا وأعرابا في خانة الإرهاب، إرهاب من؟ إن كان إرهابا للصهاينة، فذلك الذي يمثل اليوم أداة ردع لعربدة واستهتار قطعانهم المتعطشة للعدوان واراقة الدماء، واستخفافهم بسيادة لبنان، وقد شكل حزب الله في جنوب لبنان، قوة ردع في وجه الغزو والعدوان الصهيوني، ولقنته دروسا عديدة في البطولة، وأخرجته مهزوما منكسرا مرغما من الأراضي اللبنانية.
ولا غرابة عندما نجد أنفسنا نحن الشعوب العربية المغلوبة على أمرها تحت إمرة حكام بلا قيم ولا مبادئ ولا حياء، من عار لحقهم كما لحق من قبل اسلافهم، ولا يزال يحتفظ بهم في مصنف الخيانة لمبادئهم وقضاياهم، يستجدون المساعدات والأموال مقابل الدوس على الكرامة والمبادئ، هذا ولم يعد هناك ما يخفى من سياسات في زمن انقسم فيه العالم العربي والاسلامي بين كريم ولئيم وبين صاحب مبادئ وبين فاقدها، وقد ذهب أوسط القوم - كالجزائر مثلا- الذين كنا نراها قد تحررت من عبودية القوى الاستعمارية، وقد صنع شعبها أروع بطولات المقاومة للمستعمر الفرنسي، رغم المليون ونصف شهيد، وكانت الضريبة المرتفعة التي دفعها من أجل حريته وعزته، أن تنسحب من المجلس، دون أن تبقى هناك شوكة حادة غير قابلة للكسر، وتسجل موقفها المبدئي في وجه الخونة.
وفيما أعربت الجمهورية الاسلامية الايرانية على لسان وكيل وزارة خارجيتها، عن استنكارها للقرار الصادر، معتبرة إياه غير مسؤول، ويهدف الى ضرب مشروع مقاومة العدو الصهيوني، بدأ من حزب الله وانتهاء ببقية فصائل المقاومة، وهو موقف يخدم العدو، ويعطيه شرعية ضرب المقاومة، دون اعتراض من الدول التي أيدت اتخاذ مثل هذا القرار المتخاذل.
وعبرت دوائر الكيان الصهيوني عن بهجتها وارتياحها للقرار العربي، معتبرة اياه انجازا وكسبا، لم يتسنى لهم تحقيقه بآلتهم العسكرية، قد تحقق أخيرا بفضل حلفائها العرب، الماضين الى أقصى مدى في التطبيع معه كيانهم.
وكما هو معلوم فإن القضية الفلسطينية اليوم، لم يبق لها حاضنا وداعما ومؤيدا سوى الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي التي ترعى اليوم فصائل المقاومة، وتضع تحت تصرفها جميع امكانياتها وقدراتها، وحزب الله اللبناني بدوره وضع خبراته وامكاناته، في خدمة اخوته في قطاع غزة، ومن كان يتابع تطورات حصار غزة، كيف اعتقل نظام حسني مبارك مجموعة اسناد لوجستي تابعة لحزب الله، كانت مكلفة بإدخال الذخيرة السلاح الى القطاع.
ورب ضارة نافعة فان هذا القرار الذي اتخذته انظمة عربية، لو قورنت بأنظمة مبدئية غير عربية وغير اسلامية، قررت الوقوف الى جانب قضية العرب والمسلمين الاولى فلسطين، كفنزويلا /الاكوادور / البيرو / البرازيل / الأرجنتين / بوليفيا / الباراغواي / الأوروغواي، لشكل ذلك خزيا وعارا يصعب محو آثاره، ولكن ماذا يمكننا ان نقول لمن اعتاد لحس القصاع والرضا بالدون والبقاء في القاع.
اليس من العار على انظمة ادعت دعمها للفلسطينيين، ووقوفها الى جانب قضيتهم العادلة، في التحرر من احتلال صهيوني عنصري، جاثم على أرض لها قداستها الدينية، في نفوس كل المسلمين، ان تقرر تصنيف حزب مقاوم للاحتلال الصهيوني، ومناصر لإخوانه في فلسطين كمنظمة ارهابية، في حين صنف رئيس بوليفيا (إيڤو موراليس) إسرائيل بالدولة الإرهابية منذ سنتين.
وحسب ما اتوقعه من هذه الدول المتحزبة ضد القضية الفلسطينية عمليا، والمتباكون عليها ظاهريا، أنهم سيمضون قدما في تنفيذ مخططات ومؤامرات الغرب والصهاينة، رغم نهي الله عن اتخاذهم أولياء (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) وليس القرار الذي اتخذوه باعتبار حزب الله منظمة ارهابية سوى جزء من المخطط (أ) الذي بدأ في سوريا بوقف اطلاق النار، ليتطور حسب ما رسمته امريكا، النائية بنفسها ظاهريا عن الشأن السوري، الى حرب استئصال للمقاومة، وفي مقدمتها رأس حزب الله اللبناني.
وبمعنى آخر، فان هذا المخطط الخبيث، يسعى الى ادخال لبنان، في اتون الحرب الدائرة في سوريا، حيث يمثل قرار تصنيف أكبر أحزابه كمنظمة ارهابية، مقدمة لإنهاء وجوده هناك، بما يمثله من تهديد لأمن اسرائيل، ادعاه عربان الخليج واعراب العمالة والعار، لكن هل سيقف احرار العالم مكتوفي الايدي أمام هذه المؤامرة، المتناهية في السقوط والخيانة للمبادئ، وعلى وجه أخص موقف حاضنة حزب الله، في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، الذي بدأ يتفاعل مع خزي النظام العربي الجديد.
المؤكد أن الموقف لم يكن وليد الساعة، وانما جاء استكمالا لسياسات تآمرية، درجت عليها انظمة ارتفع الخجل عنها في زمن البغاء، لترفع رايتها، التي كانت أمهم التي علمتهم البغاء ترفعها على بابها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليق على مقال بالصحيفة