شريط اخبار

حديد الصحيفة

الأربعاء، 9 مارس 2016

عبد الباري عطوان يكتب : لماذا تمددت "داعش" بهذه السرعة الى جنوب تونس؟


تونس-الاخبارية

ماذا كان هدفها الحقيقي من الهجوم على مدينة “بن قردان”؟
لماذا يجب ان ترفض الحكومة التونسية عرض امريكا بالمساعدة؟
السيد الحبيب الصيد رئيس وزراء تونس ظهر اليوم (الثلاثاء) في مؤتمر صحافي للحديث عن وقائع وملابسات الهجوم الارهابي الذي استهدف مدينة بن قردان التونسية الواقعة على الحدود مع ليبيا، ولكن وسط سرد العديد من التفاصيل، هناك جملة على درجة كبيرة من الاهيمة قالها، ويمكن ان تلخص الحاضر والمستقبل التونسي، وربما الشمال افريقي، بدقة وهي “ان تونس ربحت هذه المعركة رغم الخسائر الكبيرة ولكن الحرب طويلة”.
نعم الحرب طويلة، وقد تكون طويلة جدا، لان الخطر ليس بسيطا ولا سهلا، فـ”الدولة الاسلامية” التي ارادت اختراق الحدود الى العمق التونسي، واقامة امارة اسلامية “دولة” عابرة للحدود والقارات، وتملك امكانيات عسكرية ولوجستية لا تملكها جيوش وحكومات، وهذا ما يفسر احتشاد اكثر من مئة دولة، بينها قوتان عظميان، واخرى اقليمية ودولية في تحالف هدفه القضاء عليها.
هناك عدة عوامل يمكن التوقف عندها بتمعن لتحليل هذا الهجوم “غير المفاجيء” على مدينة بن قردان نلخصها كالتالي:
اولا: هناك اكثر من سبعة آلاف تونسي غادروا قبل خمس سنوات الى سورية عبر تركيا بتشجيع من حكومتهم في حينها، وبتحريض من “منظرين” وقوى اقليمية وخليجية، ومحطات فضائية، للالتحاق بالثورة السورية، والتحقوا في معظمهم الى الجماعات الجهادية الاسلامية و”الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص، ومعظم هؤلاء عادوا الى ليبيا عبر الطريق نفسه، ولكن مدججين بخبرة عملياتيه قتالية عالية جدا، وتجنيد عقائدي مكثف، وبمهمة محدودة وهي “اسقاط حكومات الكفر” في المغرب الاسلامي.
ثانيا: كان لافتا، وحسب شهود العيان، ان افراد الخلية التي هاجمت المدينة، وعددهم 50 شخصا، كانوا في معظمهم من ابنائها، ويعرفون احياءها جيدا، وخريطتها الجغرافية، وتوجهوا بسهولة ويسر الى اهدافهم المحددة، اي الثكنة العسكرية، ومركز الشرطة، وآخر للحرس الوطني.
ثالثا: يشكل الجنوب التونسي الخاصرة الاضعف للدولة التونسية، ومستودعا للتشدد الاسلامي، وانعكس هذا بوضوح في نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التونسية التي جرت قبل عام تقريبا، من حيث التصويت للجماعات الاسلامية، وهناك تفسيرات عديدة في هذا الصدد وهو اتساع الهوة الطبقية بين الشمال الحضري المدني المرتاح معيشيا واقتصاديا، والجنوب الريفي القروي الذي يعاني من درجات عالية من التهميش وانخفاض معدلات التنمية البشرية والاقتصادية.
رابعا: العلاقات الوثيقة، والتدخل السكاني والاقتصادي بين الجنوب التونسي والجار الليبي في السراء والضراء، وتحول ليبيا الى دولة فاشلة بفعل تدخل حلف الناتو العسكري لاطاحة النظام السابق، وهيمنة الفوضى والميليشيات المسلحة على مقدرات ليبيا، وغياب الدولة المركزية القوية ومؤسساتها العسكرية والامنية، كلها سلبيات كان من المحتم طوفانها على هذا الجنوب بطريقة او باخرى، سياسيا او عسكريا او عقائديا، ففوضى السلاح في ليبيا حيث ان هناك اكثر من 30 مليون قطعة تركها النظام السابق في مخازنه، هي احد الاخطار التي تهدد، ليس فقط الجار التونسي، وانما الجار المغربي، ومنطقة الساحل، وتوفر الاسلحة والذخائر للقادم الجديد، اي “الدولة الاسلامية”.
جون كيري وزير الخارجية الامريكي ارتكب خطيئة كبرى في نظرنا عندما اعلن اليوم ادانته لهذا الهجوم على مدينة بن قردان، وعرضه المساعدة على السلطات التونسية لمواجهة خطر “الدولة الاسلامية”، فأمريكا وحلفاؤها من العرب والاوروبيين هم الذين خلقوا هذا الخطر الجهادي، لانهم وفروا بتدخلهم هذا في ليبيا البيئة الحاضنة له، سواء بإسقاط النظام وتدمير مؤسساته الامنية والعسكرية اولا، والفشل في اقامة مؤسسات بديلة قادرة على حماية البلاد وتحقيق الامن والاستقرار لمواطنيه.
الجيش التونسي اظهر كفاءة عالية في التصدي للهجوم على بن قردان، وافضل مساعدة يمكن ان تقدمها واشنطن هي البقاء بعيدا عن تونس والدولة المغاربية الاخرى، وقد احسنت هذه الدول صنعا، وعلى رأسها تونس والجزائر الى جانب مصر (دول الجوار لليبيا)، عندما عارضت بقوة خططا لتدخل حلف الناتو عسكريا تحت ذريعة منع “الدولة الاسلامية” من السيطرة على منابع النفط، ومنع الهجرة غير الشرعية الى الشاطيء الاوروبي من المتوسط.
نستغرب بعض التحليلات لخبراء يظهرون على الفضائيات، ويطالبون بتدخل اجنبي، ويعربون عن مفاجئتهم من هذا الهجوم على المدينة من قبل “الدولة الاسلامية”، وفي هذا التوقيت، وينسى هؤلاء ان شعار هذه “الدولة” انها “باقية وتتمدد”، واستطاعت ان تهزم جيشا عراقيا قوامه ما يقرب من نصف المليون جندي، جرى انفاق اكثر من 30 مليار دولار على تدريبه وتسليحه، واستولت على الموصل، ثاني اكبر مدينة في العراق، وتكريت، وديالي، والفلوجة، والرمادي، وقبل ذلك الرقة، ودير الزور، وتدمر، واجزاء من ريف حلب.
مثلما قلنا في بداية هذه المقالة انها “دولة” عابرة للحدود والقارات، يشكل التوسع وازالة الحدود، احد ابرز اهدافها، وافتتحت حتى الآن اكثر من عشرين فرعا في مختلف مناطق الشرق الاوسط والقارة الافريقية، وتواجه ضغوطا حاليا في العراق وسورية مما يدفعها للانتقال الى هذه الفروع وفتح فروع جديدة.
اذا ارادت الدول التصدي لهذا الخطر الارهابي لا بد من النظر اليه ونشأته واهدافه، والبيئة الحاضنة له بطريقة علمية موضوعية، وهذا ما نفعله في هذه المقالة.
عامل الجغرافيا يضع تونس امام تحد كبير يهدد امنها واستقرارها في وقت هي في امس الحاجة اليهما للتعافي من ازماتها الاقتصادية بعد ان خرجت تقريبا من عنق زجاجة الازمة السياسية، وبدأت تتحسس طريقها نحو التعايش واقامة مؤسسات ديمقراطية، مدنية حقيقية.
ولذلك تستحق منا في هذه الصحيفة “راي اليوم” التي قدرت دائما التجربة التونسية وتميزها، وكل الشعوب الحرة، كل الدعم والمساندة والتضامن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق على مقال بالصحيفة