شريط اخبار

حديد الصحيفة

الجمعة، 11 مارس 2016

إخفاق الداعشية التونسية في إقامة إمارة بنقردان توفيق المديني


تشهد تونس منذ نهاية العام الماضي وبداية سنة 2016 حرباً حقيقية بين الدولة بمختلف مؤسساتها :الجيش و الأجهزة الأمنية ووحدات الحرس الوطني، و بين المجموعات الإرهابية سواء التي تنتمي إلى تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي » المتمركزة في الجبال على الحدود التونسية –الجزائرية، أم المتسلله من «الدواعش»بعد التدخل العسكري  الأخير في ليبيا و الذي استهدف أساساً مدينة صبراطة و أريافها التي لا تبعد سوى 70كيلومتر عن تونس ، في محاولة يائسة من تلك المجموعات الإرهابية السيطرة على الجنوب التونسي،خاصة في منطقة بنقردان الحدودية.

وفي سياق هذه الحرب، استفاقت مدينة بنقردان الواقعة في أقصى الجنوب التونسي ، وعلى الحدود الليبية،فجر يوم الإثنين 7مارس الجاري،على هجمات عسكرية كاسحة ومتزامنة شنتها مجموعات تونسية إرهابية (حوالي 70 شخص)تنتمي إلى  تنظيم «داعش» من خلال ثلاثة محاور إستراتيجية وحساسة تتمثل في السيطرة على الثكنة العسكرية الواقعة بمنطقة جلال الواقعة على بعد 3.5 كيلومترات عن بن قردان المدينة ومنطقتي الأمن والحرس الوطنيين، ومداهمة منازل عدد من الأمنيين واغتيال اثنين منهم، وإحداث إمارة داعشية» في المدينة .غير أن قوات الجيش التونسي، ووحدات الحرس الوطني الخاصة، والأجهزة الأمنية  العاملة في المدينة، استطاعت أن تحبط  هذا المخطط الإرهابي الكبير، و تخوض  حرب شوارع داخل مدينة بنقردان ،ومطاردات داخل مواطن العمران والاحياء، ضد الإرهابيين،الأمر الذي نجم عنه استشهاد 18شهيداً في صفوف قوات الجيش و الأمن و المدنيين وسقوط عدد آخر من الجرحى، و مقتل 46إرهابيا،و اعتقال 7 آخرين ،وانتهت بسيطرة القوات العسكرية والأمنية الباسلة على الوضع في المدينة.
وكنتيجة منطقيه لهذا الهجوم الإرهابي، تحولت منطقة الجنوب التونسي  إلى منطقة عمليات عسكرية ، تراقبها الرادارات العسكرية، وتتركز فيها الآليات العسكرية الثقيلة ، والمدافع من العيارين المتوسط والطويل، وراجمات الصواريخ، على الأرض، إضافة إلى تفعيل منظومة الدفاع البحري على طول الشواطئ في المياه الإقليمية التونسية، تحسباً لأي هجوم بحري  ، ووضع سلاح الجو التونسي في حالة يقظة قصوى.وبعد إخفاق الداعشية التونسية في إقامة «إمارة بنقردان»، تتركز جهود المؤسستين الأمنية والعسكرية في تونس، على ملاحقة فلول المجموعة الإرهابية التي هاجمت مدينة بن قردان، وكشف مخابئ الأسلحة والخلايا النائمة التي كانت جاهزة للالتحاق بالنواة الأصلية في الهجوم على المدينة.
و استطاعت الوحدات الأمنية التونسية أن تكشف عن مخازن الأسلحة  التي تمكنت العناصر الإرهابية  من إدخالها بكميات كبيرة منها بعد أحداث الثورة في سنة 2011، وتم نقلها إلى عدة مناطق داخل الجمهورية وفي تونس الكبرى والجبال المحاذية للحدود الجزائرية  .وتمكنت القوات المسلحة من الكشف عن المخزن الكبير بمدنين و6 مخازن أخرى خلال سنة 2014 ومخزن على الخط الحدودي الصحراوي ومخزنين تم الكشف عنهما من قبل وحدات الجمارق التونسية ،وإيقاف شاحنة مكنت من الكشف عن مخزنين . وأكدت مصادر الأمن التونسي أن عدد المخازن التي تم الكشف عنها بالجنوب التونسي بلغ 10 مخازن تحتوي على عدد كبير من الأسلحة المتطورة والذخيرة إلى جانب الكشف عن مخزن للإرهابي أحمد الرويسي في 2013.
وتقدر السلطات الأمنية التونسية أن عدد الأشخاص الذين كان يفترض أن يشاركوا في احتلال مدينة بن قردان، اعتمادا على اعترافات أولية للموقوقين ، بأكثر من 250 عنصراً إرهابياً.
وكانت الخطة الأصلية لإقامة أول إمارة «داعشية» في الجنوب التونسي تم الإعداد لها منذ أكثر من شهرين في وسط وغرب ليبيا. وكانت لدى السلطات التونسية معلومات متفرقة عن هذه الخطة، أهمها ما كشفت عنه التحقيقات الليبية في مدينة صبراتة بعد القصف الأميركي، والتي شاركت فيها، أو اطلعت عليها، عناصر استخباراتية من دول مجاورة وأوروبية وأميركية.وتقوم هذه الخطة على أربع مراحل:
الأولى، وتشمل تجمّع مجموعة أولية من «الدواعش» (55 شخصا غالبيتهم من التونسيين) بعد صلاة الفجر، تمهيداً لاقتحام ثكنة الجيش ومقري الشرطة والحرس الوطني في بن قردان، واعلانها عاصمة لـ «الإمارة» من مقهى معروف في وسط المدينة، واتخاذه مقر قيادة مؤقتا.
الثانية، تشمل دعوة عناصر الخلايا النائمة في بن قردان وحولها بشكل تدريجي، وقبل طلوع نهار يوم الاثنين، لحمل السلاح والالتحاق بالمجموعة الأولى، إضافة إلى انطلاق شاحنات من مدن في غرب ليبيا محملة بمقاتلين من «داعش» ومدافع من عيار 12.7 ميللمتر، وصواريخ من طراز «غراد» إلى المنطقة، مستغلة انشغال وحدات الجيش التونسي المكلفة أصلا بحراسة الحدود بالمواجهة في مدينة بن قردان.
الثالثة، كانت تقوم على تحريض سكان المدينة على ما يفترض أن يكون قد بقي من السلطة التونسية، وملاحقة أعوانها واستغلال مشاعر الغضب والعلاقة المتوترة بين السكان والدولة المركزية وإطلاق عدة صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأول إمارة «داعشية» باسم «الدولة الإسلامية في إفريقيا».
الرابعة، فتقوم على إعلان «النفير العام» إلى بقية الخلايا داخل البلاد للزحف نحو الجنوب.
         ينظر المحللون المتعمقون في دراسة أحداث تاريخ تونس المعاصر، أن المجموعة الإرهابية التي هاجمت مدينة بنقردان
، فجر يوم 7 مارس/آذار الجاري ، ارتكبت الأخطاء التاريخية عينها  للمجموعة المسلحة التي هاجمت مدينة قفصة الجنوبية يوم 27 يناير1980،والتي كانت متكونة من الشباب التونسيين (هم جميعاً من العمال و أصحاب المهن والأعمال اليدوية) الذين هاجروا إلى ليبيا للعمل ، وتم استقطابهم  من قبل الجبهة القومية التقدمية بقيادة أحمد الميرغني، و التي كانت تربطها علاقات قوية  بنظام العقيد معمر القذافي، حيث اعتقدت تلك المجموعة القومية  المسلحة التي كانت مدعومة من المخابرات الليبية و الجزائرية ، أنها بمجرد أن تطلق الرصاصة الأولى في مدينة قفصة الجنوبية، سوف يتم استنفار كل الجنوب التونسي ، ويصطف إلى جانب المهاجمين القوميين المناهضين للنظام البورقيبي، وبالتالي تنطلق مسيرة التمرد و الانتفاضة المسلحة لإسقاط النظام في تونس.
وقد أعاد الإرهابيّون الذين أقدموا على اقتحام مدينة بنقردان ، إلى ارتكاب نفس الأخطاء التاريخية التي وقع فيها القوميون من الجبهة التقدمية التونسية المدعومة من العقيد القذافي، ظناً منهم أن السيطرة على مدينة بنقردان ، سينتفض كل الجنوب التونسي ، ويدخل أفواجاً في جيش «الدواعش» الذي يريد إقامة إمارة إسلامية .لكن الجنوب التونسي وقف إلى جانب الدولة المدنية التونسية في محاربة الإرهاب.وهذه أكبر هزيمة للإرهابيين ، الذين تبين بأن لا حصن اجتماعي لهم ، ماعدا المهربين و قسم من الشباب المهمش و العاطل عن العمل ، في المناطق الفقيرة، و المحرومة تاريخيا من مشاريع التنمية طيلة الحقبة التاريخية الماضية.
 وتعتبر مدينة بنقردان أحد الحصون التاريخية التي تصدر الإرهابيين إلى خارج البلاد التونسية ، لا سيما إلى العراق إبان فترة الاحتلال الأميركي لهذا البلد العربي في ربيع 2003، حيث كان زعيم تنظيم القاعدة في العراق آنذاك« أبومصعب الزرقاوي »يقول ، لوكانت بنقردان على حدود العراق  لما تحررت الفلوجة ، في إشارة منه إلى تدفق المئات من التونسيين إلى القتال في صفوف تنظيم «القاعدة» خلال العقد الماضي.و لهذا ليس من الغرابة في شيء أن تتحول مدينة بنقردان ومعها قسم من الجنوب التونسي إلى خزان بشري يغذي المجموعات الإرهابية العابرة للحدود.
إنها الخاصية التي تتميز بها تونس المنقسمة مناطقياًوجهوياً،والخاضعة لقانون التطور اللامتكافىء على صعيد التنمية، وعلى صعيد التوزيع غير العادل لفوائد النمو والتنمية، بين المناطق الشرقية، الواقعة على الشريط الساحلي، والمناطق الداخلية، إذ ظل هذا التفاوت الموروث من فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة (1956 – 1987) يتعمق طيلةالعقود الخمسة الماضية. وبهذا المعنى نفهم لماذا استوطن الإرهاب في بعض المناطق الجنوبية المحاذية لليبيا، ومحافظتي القصرين وسيدي بوزيد في  الوسط الغربي، وفي محافظتي جندوبة و الكاف في الشمال الغربي ، إذ دخلت الحركات الإرهابية وشبكات التهريب في علاقة عضوية بالمناطق الحدودية، وخاصة في المناطق التي تعرف تخلّفا تنمويا واضحا، ومن المتوقّع أن توفّر العلاقة بين الإرهاب والتهريب الظروف المثلى لولادة عصابات مشتركة بين «الإرهابيين والمهربين» عابرة للحدود بدرجة تنسيق عالية جدّاً.
وتعكس هجمات بن قردان تعكس منطقة الصراع المسلح الذي اقتصر حتى الآن على ليبيا، علماً أن تنظيم «داعش»يعتقد واهماً أن مدينة  بن قردان يمكن أن تكون مركزاً استراتيجياً لمنطقة محررة تشمل الجنوب الشرقي التونسي ومنطقة طرابلس الليبية، معتمدا في ذلك على إشراك  «خلايا نائمة في تونس» في تنفيذ هجماته على بن قردان، وعلى التونسيين الذين التحقوا بـ «داعش» في سوريا والعراق ، وبدأوا يعودون إلى تونس  منذ 2013، وحلقوا لحاهم واختبأوا، وعلى المهربين  الذين ما زالوا يجتازون المعابر الحدودية الليبية من دون أن يتم رصدهم من قبل أجهزة الحرس الحدودي و الجمارق التونسية .
وفي ما يشبه الاعتراف بالمسؤولية عن «غزوة بن قردان» في تونس، نشرت «مؤسسة البتار الإعلامية»، المقربة من تنظيم «داعش»، بيانيْن حول «الغزوة»، تضمن أحدهما تهديداً واضحاً بأن «الحرب بدأت لتوها»، بينما ركّز الثاني على «التحريض على الجهاد ضد طواغيت تونس» كما أسماهم. وتنتمي المجموعة الإرهابيىة الداعشية التي هاجمت مدينة بنقردان إلى  «كتيبة البتار» التي أعلن عن تأسيسها في سوريا في أواخر العام 2012  ،و جرى تعميدها في سوريا لتكون أيقونة الوحشية.
واليوم يظهر اسم «كتيبة البتار»، في تونس باعتبارها الجهة التي اضطلعت بأدوار تخطيطية وقيادية وتنفيذية في الهجوم على مدينة بن قردان ليس العملية الأولى التي تقوم بها الكتيبة في تونس. فقد وجهت لها اتهامات رسمية بالتخطيط وتنفيذ عدة عمليات إرهابية، أهمها عمليتا سوسة ومتحف باردو. والعملية الأخيرة نُسب دور كبير فيها إلى عادل الغندري (والد زوجته وأخويها من منتسبي الأجهزة الأمنية) الذي كان قد هرب إلى ليبيا منذ آذار العام 2015، وارتبط بعلاقات وثيقة مع قادة «كتيبة البتار» وعلى رأسهم نور الدين شوشان مع القيادي في «كتيبة البتار» نور الدين شوشان الذي قضى نتيجة الغارة الجوية على صبراتة، الشهر الماضي ،ومفتاح مانيطة.
وتتخوف السلطات التونسية من الخلايا النائمة التي تزداد يوما عن يوم في تونس، فهي أصبحت مثل الخيوط العنكبوتية التي يتكون منها تنظيم «داعش».فهناك إستراتيجية كاملة لصناعة هذه الخلايا التي أصبحت تقوم بعمليات التجنيد والدعم اللوجيستي للتنظيم الإرهابي . ومن وجهة نظر  السلطات التونسية ،الخوف لا يكمن من الخطر الداهم من ليبيا فحسب، فهو على الأقل عدو واضح ولكن ما يقلقها هو العدو غير المرئي الذي يتخفى ويتلون بألف لون .فالمشكلة اليوم ليست في الكشف عن الخلايا النائمة فحسب،ولكن في وضع حد لـ«تفريخ» هذه الخلايا والقضاء نهائيا على الاستقطاب والتجنيد .
لقد توطدت العلاقات بين المجموعات الإرهابية التونسية ، مثل «أنصار الشريعة»و تنظيم «داعش» مع مثيلاتها في ليبيا،خلال السنوات الخمس الماضية ، و أصبحت العلاقات عضوية بين هذه التنظيمات في البلدين كليهما تونس وليبيا،إذ تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن للإرهابيين التونسيين ، لا سيما في ظل وجود معسكرات لتدربيهم منذ أبريل 2012،حيث أفرزت هذه التدريبات إرهابيين تونسيين نفذوا عمليات سواء في تونس أو ليبيا.ووفقا لتقارير أمنية من جانب خبراء الأمم المتحدة، فإن مابين 1000و 1500 تونسي، التحقوا بتنظيمات جهادية في ليبيا، من مجموع يتجاوز 6000تونسي انضموا إلى تنظيم «داعش » الإرهابي في كل من العراق وسوريا واليمن و مالي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق على مقال بالصحيفة