هذه حقيقة ما يجري في ليبيا وتونس والجزائر.. والحرب في بداياتها نبيل نايلي
«إنّ معركة بن قردان التي ربحتها تونس كانت درساً قاسياً جدّا للإرهابيين، وسيكون لها انعكاس سيء جدّا على الحالمين بإنشاء إمارة داعشيّة في بن قردان!» رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد.
حالة الانتشاء ب”النصر المؤزّر” التي رافقت تصدّي الجيش التونسي الباسل للعملية الارهابية التي استهدفت مدينة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا، وإن كانت مطلوبة ومحمودة شعبيا، دعما لوحدة وطنية في مواجهة الخطر الداهم، يجب، وبعجالة شديدة، أن يصحو منها “صانعو القرار” والقائمون على البلاد، لتحلّ محلّها حالة استنفار وتأهّب قصوى، استعدادا للمهام الجسام التي تنتظرنا في الأيام القادمة لحظة استعادة التنظيم والماسكين بلوحة التحكّم فيه، توازنهم وفق قراءة جديدة للوضع التونسي من حيث جاهزية قوات الجيش والمؤسسات الإستخبارية والأمنية، وتعاطي الأهالي!
كلاّ، لا يجانب رئيس الوزراء التونسي، السيد الحبيب الصيد، الصواب حين أعلن: ”أنّ تونس ربحت هذه المعركة رغم الخسائر الكبيرة ولكن الحرب طويلة. “نعم ستكون المعركة طويلة وتستغرق من الوقت والجهد والتضحيات الجسام، بقدر العمر الذي سيمنح للجماعات المتطرّفة في مشرق ومغرب هذا الوطن، وتحقيق أو تسفيه الغايات التي من أجلها أخرجوه من قمقمه! من اعتزم اختراق الحدود إلى العمق التونسي، وإقامة إمارة “إسلامية” لكيان أرادوه عابرا لحدود سايكس-بيكو القديمة يهشّون بهم على مصالحهم الإستراتيجية، وللقارات ما دام لهم فيه المآرب الأخرى.. كيان سلّموه امكانيات وموارد عسكرية ولوجستية منعوها عن الدول والجيوش المراد تحطيمها، وسمحوا له -حتى الآن- بافتتاح أكثر من 20 فرعا في مختلف مناطق الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، فضلا عن الآلاف من “إنغماسييه” و”خلاياه النائمة” و”فرق إسناده” و”ذئابه المنفردة”، من وقود حطب “الجيل الرابع من الحروب” الذين تمرّسوا بخبرة القتال والذبح في سوريا وجُنّدوا عقائديا وبُرمجوا ذهنيا ليصبحوا أدوات ل”إسقاط حكومات الكفر والطاغوت” في المغرب الإسلامي، بعد أن استكملوا مهمات التدمير شرقا! يُعيد الأصيل الوكيل -أخيرا- وعبر نفس الطريق التي كان ولا يزال القاسي والداني يعرف من يؤمّنه منذ مغادرة تونس باتجاه ليبيا وسوريا وكل بؤر التوتّر، من “الفتاوى الشرعية” تحت الطلب، فالتواطؤ السياسي وعلى لسان برلمانيين و”زعماء” سياسيين، إلى تأمين بطاقات السفر، ورحلات “مواعدة حور العين”! يُعادون اليوم إلى ليبيا لاستكمال رسم خرائط الجنرال الأمريكي “رالف بيترز، Ralph Peters، ذات حدود الدم، Blood Borders”، معزّزين بالعتاد والدعم اللوجستي وتحيينات المواقع العسكرية يمدّهم بها، من نعقد معه الأحلاف الاستخباراتية والعسكرية ومن ننتظر مؤازرته في مسرح عبث شيزوفريني، هؤلاء الذين يعودون لنا غزاة في ثوب “رجال إطفاء”!
إنّ الإصرار على تحويل ليبيا إلى الدولة الفاشلة، وهم من تركوا مستودعات أسلحتها مُشرّعة لمن هبّ ودبّ، وتفكيكهم –منهجيا- لمؤسسات الدولة الليبية، المؤسسة تلو الأخرى، في استنساخ للنموذج العراقي، وسماحهم للميليشيات المسلحة بالتكاثر كالفطر السام، بغية الإستيلاء على مقدرات ليبيا بعد إغراقها في الفوضى، وإنهاك جميع الأطراف، من خلال إدارة الحروب والمآزق المستدامة، إدارتها لا حلّها، يعلم جيدا مضاعفات ذلك على الإستقرار الإقليمي في غرب هذا الوطن المستباح، سياسيا وعسكريا وأمنيا! تماما كما قدّر حجم ومضاعفات أولى العمليات التجريبية، وجس النبض في مدينة بن قردان!
من وفّر البيئة الحاضنة لتنظيم داعش في الرقة، والموصل وسيناء ودرنة، من أمريكيين وغربيين وأتراك و”مموّلين عرب”، لا نستثني ولا نفاضل، ومن يعرضون علينا خدماتهم، في مقايضة القسمة الضيزى، غير معنيين تماما باستقرار تونس والمغرب العربي، ولو تصدّوا فعلا لتنظيم داعش لكنّا رأينا نجاحاتهم في في العراق الذي دُمّر أو في سوريا التي بصدد التدمير!
بإمكانات الجيش الوطني، المحدودة، وبعقيدته الصلبة، أظهر بواسل القوات المسلّحة كفاءة عالية في التصدي لمسلّحي التنظيم الذين استهدفوا بن قردان، وبجبهة داخلية سفّهت ما كان يُسوّق له بعض “خبراء” الأزمات، من أن الجنوب التونسي، الذي خذل بعضهم انتخابيا، يُشكّل “الخاصرة الرخوة”، و”مشروع حاضنة” لهكذا جماعات، استطاعت بن قردان أن تكسب جولة من حرب ضروس لا تزال في بداياتها، لذلك وجب التحسّب والفطنة والإستشراف الجيد لما سيُقدّم عليه التنظيم من لاحق الجولات! ارتدادات تسونامي عملية بن قردان الإرهابية المستمرّة، والخسائر الجسيمة في الأرواح والعتاد التي تكبّدها التنظيم، ستعقبها عمليات ومحاولات اختراق سواء من بن قردان أو غيرها، خصوصا أن القائمين على التنظيم يسعون إلى الانتقال الى فروع جديدة!
آن الأوان لمراجعة عميقة وفكّ الارتباط بهذه الأحلاف والمعاهدات التي أُبرمت في ظلّ حكومات “الإنفصام الثوري”، وحكومات ”جائزة نوبل للسلام“ باستحقاقات التزكية المسمومة، إلى التحالف الدولي ل”مكافحة الإرهاب”، وانخراط في ما سمّي زورا التحالف “الإسلامي” لمكافحة الإرهاب، ليتسنّى لنا اعتماد استراتيجية وطنية –لا وصاية فيها لأصحاب الأجندات الخارجية التي لا يهمّها كثيرا أمن تونس واستقرارها ما دام مخطّط إفشال دول المغرب العربي وإغراقها في “فوضاهم الخلاقة” هو الهدف!
لنستمرّ في إصرارنا على معارضة تدخّل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي العسكري في ليبيا، وبشدّة، لأن عواقب ذلك هي نفس عواقب تدخّلهم في المشرق العربي، حيث سنقف، بمجرّد تدويل قضايانا، عاجزين تائهين على رقعة شطرنج لعبة الأمم الكبرى، بما يعنيه من مزيد من التدمير الممنهج، والحيلولة دون أبسط حلّ سياسي، تأسيا بإستراتيجية هنري كيسينجر، Henry Kissinger، القاضية ب”هزيمة الطرفين”! أو التدخّل ولكن بالقدر الذي يُعزّز الحرب الأهلية على ألاّ يغيّر ديناميكيتها، إمعانا في تدمير ليبيا كما دُمّر العراق وتفكّك سوريا، وتحطيما لما تبقّى من جيوش العرب، تمهيدا لإعادة رسم خرائط سايكس-بيكو الجديدة، بأرخبيلات المذهبية وبانتستونات الطائفية.. المناخ الأنسب لاستمرار الكيان الصهيوني.
لكم في فكّ شفرة ورسائل توصيف وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني للوضع في ليبيا التي قال إنّ «عدد مسلّحي فرعها يُقدّر -في الوقت الراهن- بـ 5 آلاف”! جينتيلوني الذي شدّد على أن التنظيم “بدأ في ترسيخ أقدامه في ليبيا”، محذّرا من أن مسلّحيه “يتمتّعون بالقدرة على تنفيذ عمليات توغّل خطيرة في الغرب كما في الشرق”!! الغرب كما الشرق.. ليخلص إلى أنّ بلاده “لن تنجرّ إلى حملات عسكرية عديمة الجدوى بل وحتى خطيرة على أمن إيطاليا القومي في “بلد بها أكثر من 200 ألف مسلح ينتمون إلى جماعات وجيوش متعدّدة”!
لندرك جيّدا حجم وقدرات وطبيعة العدو الذي نحارب ومن يقف وراءه! “الباقي والمتمدّد”، بإذن ومؤازرة من يقفون وراءه! ولنعوّل على إمكاناتنا الذاتية والإقليمية مع أشقائنا المعنيين بمحاربة هذه الجماعات، والمكتوين بنيرانها، لتكوين –وبعجالة- هياكل عسكرية وأمنية واستخباراتية مشتركة تتولىّ التصدّي –فعليا- لأدوات حروب الجيل الرابع دون أجندات خارجية، أمريكية كانت أم فرنسية، لا يعنيها غير مقدّرات هذه الأمة الثكلى.. حينها وحينها فقط يمكننا أن ننتشي ونعلن أننا جديرين بوصف “الإستثناء”!
*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليق على مقال بالصحيفة