شريط اخبار

حديد الصحيفة

الأربعاء، 16 مارس 2016

متى سنسمّي القط قطّا منير الشرفي


la photo de profil de Mounir Charfiجريدة "المغرب"


تعالت أصوات من هنا وهناك في الفترة الأخيرة تُحمّل حركة النهضة المسؤولية السياسية والمعنوية للحرب التي تشنّها "داعش" على وطننا. وكرد فعل على هذه التحاليل، يرى بعض قياديي الحركة بأن هذا الموقف يُضعف اللحمة السياسية السائدة في البلاد، وبأن إضعاف هذه اللحمة من شأنه أن يُقوّي داعش ويُساعدها على المزيد من الهجمات ضد مؤسسات الدولة وضد الشعب بأسره.
إضعاف "اللحمة الوطنية" هو فعلا هديّة قيّمة للدواعش تُعطيهم إمكانيات أوسع للتحرك والمباغتة. لكن السؤال المطروح هو هل أننا متّفقون على المفاهيم؟ أي عن أي "لحمة وطنية" نتحدّث؟
"اللحمة الوطنية" يُمكن النظر إليها في مستويين، المستوى الشعبي والمستوى السياسي/الحزبي.
فأما بخصوص المستوى الشعبي، فإن اللحمة الوطنية واقع ملموس والحمد لله. ولقد ظهر ذلك للعيان في مناسبات عديدة آخرها ما أبداه مواطنو بن قردان الذين أظهروا للعالم بأسرة، وللتونسيين بالخصوص، أن شعبنا مُجنّد كالبنيان المرصوص ضد همجية بضعة مئات من الأنفار انساقوا إلى الإجرام بفعل فاعل نتيجة عمليّة غسل الدماغ مُمنهجة وواضحة المقاصد.
وأما "اللحمة الوطنية" على المستوى السياسي/الحزبي فهي قابلة للنقاش، بل أن هذا النقاش لا بدّ أن يُفتح عاجلا قبل أن يستفحل الوضع.
المقصود من قبل النهضويين بهذه العبارة هو طبعا التحالف الحالي بين حركة النهضة وما كان يُسمّى بحركة "نداء تونس". والجميع يعلم أن هذا التحالف مشكوك في صلابته وذلك لأسباب عديدة لعل أهمها أن حزب نداء تونس لم يعد ذلك الحزب القوي الحاكم الذي نجح نجاحا باهرا في الانتخابات الأخيرة، والسبب المباشر في ذلك هو هذا التحالف، كما أن حركة النهضة لم تعد مُتماسكة كما كانت في السنين الأخيرة بعد بان للعيان أن جزء كبيرا من القيادة في واد وجزء كبيرا من القاعدة في واد آخر، والخلاف بينهما يتمحور في الظاهر حول الإبقاء على الجانب الدعوي للحركة من عدمه، وفي الباطن مواصلة الإجهار بالعمل على "أسلمة" المجتمع أم السكوت عنه. وفي كل الحالات، فإن "جناحي" هذا التحالف مكسوران ولا يمكن "للطائر" موضوعيا التعويل عليهما ليُحلّق بأمان.
وحتى إذا اعتبرنا أن قيادتي الحزبين سوف تواصلان مجهودهما للتعتيم عن ضعفها وللتظاهر بالصفاء، فإن هذا التحالف كان من أصله هشا بالنظر إلى التباين الواضح بين خطاب الحزبين قبل الانتخابات، تباين يصل حد النقيض مع نقيضه، تباين بين البورقيبية الحداثية عدوّة الظلامية وبين أنصار تطبيق الشريعة أعداء الحداثة. هذا الخلاف الجنسي يجعل من الزيجة بين النهضة والنداء غير طبيعية ولا يمكن منطقيا أن تؤول إلى غير ما آلت إليه زيجة النهضة مع التكتل.
وبصرف النظر عن الشكل، فقد حان وقت تسمية القط قطّا. فالدواعش بيننا اليوم. وكما قال بعضهم فإنهم لم يأتوا لنا من المريخ. خسائرنا أصبحت فادحة وبلغت حدّا لا يُطاق. بكينا استشهاد مئات الضحايا وقتلنا عشرات الدواعش ، وأوقفنا آلاف الإرهابيين. وفي كل ذلك نتوقف عند النتيجة دون أن نُعرّي السبب.
السبب هو سرّ بوليشينال. فالجميع يذكر ما قاله راشد الغنوشي من أن الجهاديين "أبناءه الذين يُذكّرونه بشبابه"، وما قاله الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية في عهد علي العريض بأن التدريب الذي يقوم به الإرهابيون ما هو إلا "تمارين رياضية"، وأن المنتفعين بالعفو من إرهابيي سليمان تمّ انتدابهم في ظل حكم الترويكا في الوظيفة العمومية دون شروط، وأن الحبيب اللوز صرّح عندما كان نائبا في المجلس التأسيسي "لو كان عمري 20 سنة لسافرت للقتال في سوريا"، وأن آلاف الجمعيات "الخيرية" الحاصلة على التراخيص زمن حكم النهضة حصلت من الخارج على أموال خيالية وصرفتها في تسفير الجهاديين للتدرّب على القتال، وأن إطارات الأمن والقضاء تمّ تغييرها من قبل وزراء النهضة ليُصبحا "مضمونين". والقائمة تطول.
اليوم وقد بلغت خسائرنا البشرية والاقتصادية مداها وتجاوزته بسبب ما يمكن أن نُسمّيه في أحسن الحالات بأخطاء التساهل أمام الأخطار، أما حان الوقت للسلطة، رئيسا وحكومة، للكف عن التساهل مع أسباب محنتنا؟
وأما عن اللحمة الوطنية المنشودة، فالشعب بمواطنيه العُزّل وبجيشه وأمنه يحضنها بما استطاع إليه سبيلا في انتظار دعم رسمي يُطمئنه على حسن اختياره ويزيده أملا في المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق على مقال بالصحيفة