شريط اخبار

حديد الصحيفة

الثلاثاء، 8 مارس 2016

غزوة بن قردان"..واستراتيجيات "المستجير من الرمضاء بالنار"!! د نبيل نايلي



"تُشارك الولايات المتحدة مخاوف تونس حول النشاطات المتطرّفة، الخارجية والداخلية، والتهديد الذي تمثله على استقرار البلاد وازدهارها، وتُشدّد على التزامها بأمن تونس وبالشراكة المتقاربة بين البلدين، من أجل التصدّي للتحدّيات الأمنية في أرجاء المنطقة"! المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، John Kirby.
صرّح وزير الدفاع التونسي، فرحات الحرشاني، لمراسل الجوهرة آف آم، أن تونس بصدد التحضير لوضع "إطار قانوني"، يتيح للبواخر العسكرية ولقوات أجنبية بالتواجد في تونس من أجل "تكوين القوات العسكرية التونسية"، كلّ ذلك تحت شعار "العلاقات الثنائية التي تربط تونس بالدول الصديقة"! كما أوضح الوزير أن منظومة مراقبة الحدود مع ليبيا، "ستستكمل بطائرات من دون طيار، في إطار اتفاقات مع دول شقيقة وصديقة، وستراقب هذه الطائرات حدودنا البرية والبحرية مع ليبيا" !
تصريحات وزير الدفاع تأتي بعد "غزوة" بن قردان الإرهابية التي استهدفت ثكنة الجيش و منطقتيْ الحرس والأمن الوطنيين بمنطقة بن قردان الحدودية، في هجمات متزامنة نفّذتها مجموعة مسلّحة مؤلّفة من أكثر من 40 عنصرا، "جاؤوا لتنفيذ شرع الله وإنشاء إمارة جديدة في بن قردان"، أسفرت عن استشهاد 18 أمنيا وعسكريا ومدنيا ومصرع ما لا يقلّ عن 35 من العناصر الإرهابيّة والقبض على 7 آخرين.
من هي هذه الدول "الصديقة" وما طبيعة هذه العلاقات؟ لم يوضح لنا جناب الوزير! وإن كان شدّد على أن الوزارة "ما زالت بصدد مناقشة هذا القانون في انتظار عرضه على أنظار مجلس نواب الشعب." !كيف يُعلن وزير الدفاع التونسي في الوقت الذي تشهد فيه البلاد محاولة الجماعات الإرهابية الإختراق من حيث اعتقدوا أنها الخاصرة الرخوة لتونس وايجاد موقع ارتكاز جديد، عن "إطار قانوني" بهكذا خطورة من حيث الإستحقاقات والمضاعفات -تونسيا وإقليميا ودوليا- قبل عرضه على مجلس نواب الشعب؟ أم تراه بالون الإختبار؟ أم تحصيل الحاصل؟؟ بعد "تدجينها" اقتصاديا حتى صار ممثّل صندوق النقد الدولي الجديد في تونس، روبرت بلوتيفوغل، Robert Blotevogel، يدعو الحكومة التونسية التي تفاوض من أجل الحصول على "خط ائتمان جديد من الصندوق"، إلى إعادة النظر في "النموذج التنموي التونسي"! أضحى المطلوب وضعنا تحت وصاية من يقايضنا "مساعداته" باستحقاقات هذه "الأطر القانونية" !
كل هذه الأحلاف الأمنية والعسكرية التي "زجّ" بتونس داخلها دون العودة إلى هذا الشعب الأبي الذي يُقايض -في قسمة ضيزى- على أمنه باستراتيجيات "الصدمة والترويع، Shock and Awe" وبمقاربات "حالة الإنكار"، التي ستُفرز -آجلا أم عاجلا- استحقاقات الابتزاز والتركيع التي غالبا ما تنتهي بمصادرة القرار السيادي، ولا يزال من عجز على اجتراح الحلول الجريئة والوطنية، يراوح مكانه أو يخيّرنا بين حفظ الأمن الوطني والوصاية الدولية المقنّعة بشعارات "الصداقة الدولية"!
من سمح لأخطبوط داعش بالالتفاف ووضع اليد على الأنبار ونينوى بشكل شبه كامل، والسيطرة على حقول النفط والغاز، فضلا عن المعابر الحدودية الإستراتيجية في العراق، فالتهديد بغلق سدّ الرمادي وقطع مياه نهر الفرات عن الخالدية والحبانية، هو ذاته من سمح له بالسيطرة على حوالى نصف مساحة سوريا، وهو نفسه من يترك العنان لجحافله في ليبيا لتنفذ إلى سرت فتضمّها إلى إقليم درنة في الشرق، فسبها في الجنوب، ولم لا إلى طرابلس؟ قرابة ال 3100 مستشار عسكري أمريكي، و110 مستشارين عسكريين إيرانيين وبين 100 و200 فرنسي يتولّون مهام تدريب العسكريين العراقيين وتخطيط وإستراتيجيات العمليات في العراق، ثم ماذا؟ الخسارة تعقبها الخسارة! من يشاهد أرتال وعربات مسلّحي داعش وعتادهم ليس بحاجة إلى عبقرية فذّة ليدرك أنّ من يمدّهم بكل ذلك، وأنّ من يلقى على هؤلاء الذخائر والعتاد والمؤن-أكثر من أربعين مرة وهذا موثّق - ، بدل القنابل والصواريخ لمنعهم من التقدّم على الأقل في انتظار مجيء من يحاربهم! حملة”الحلفاء“ التي نفذت حتى ديسمبر الماضي 8605 غارة بتكلفة قـُدّرت بنحو 5.2 مليار دولار، دون أن تغيّر حتى الآن المعطيات على الأرض، أو تُحدث أي تأثيرات حقيقية على مقدّرات هذا التنظيم أو دوائر نفوذه، أو مصادر قوته!!
أ ليس هؤلاء "الأصدقاء" الذين يُراد لنا أن نحتمي بهم، كالمستجير من الرمضاء بالنار، وأن يتولّوا تدريب جيشنا الوطني الباسل -بإمكاناته المتواضعة- وعزيمته الفولاذ، في تطويع وتطبيع لعقيدته العسكرية، هم من يحوّلون العراق وسوريا وليبيا إلى الخراب والدول الفاشلة؟ من بدّد 27 مليار دولار من موارد العراق، المنهوبة منذ غزوه، لتدريب نواة جيش العراق، هم من فكّكوه في أوّل مراحل التدمير الممنهج للعراق، ليُعيّروا بعد ذلك ويُشكّكون في عزم وعقيدة قتال العراقيين، بعد انسحاب الآلاف المؤلفة أمام 300 من مسلّحي تنظيم داعش في مدينة الموصل؟ أ لم يعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر،Ashton Carter، عن تدريب ما سمّوه ب"الفرقة 30" "انتقتهم" وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية من نحو 7 آلاف متطوّع ك"معتدلين" بهدف "التصدي لتنظيم داعش" بكلفة 42 مليون دولار!، والعهدة على البنتاغون، ثم التحقوا ب"جبهة النصرة" بمجرّد أن دخلوا التراب السوري! لينتهي المتحدث باسم الإدارة الأمريكية، معتبرا أنّ برنامج وزارة الدفاع لتدريب من يوصفون بـ "المعارضة المعتدلة" في سوريا "فشل فشلا ذريعا"!
أ لم تمتنع وزارة دفاع الأمريكية، البنتاغون، هذه التي درّب عسكريوها ومستشاروها جيلا جديدا من العساكر العراقيين، طائفيين بل أقرب إلى الميليشيات، عديمي الخبرة وفاقدي التأهيل، وبدون عقيدة عسكرية. فكيف ننتظر من هكذا "حلفاء" و"أصدقاء" أن يُدرّبوا جيشنا في حرب هم من يُديرها ويُهندس مخرجاتها، وفق أجنداته ومصالحه الإستراتيجية! ولا يعنيه كثيرا أمن ليبيا وتونس وباقي الأواني المستطرقة المستهدفة! أم أن القوات الخاصة والإستخبارات التي اضطرّها الوضع في ليبيا إلى المغادرة باتجاه تونس، ومنهم ال20 جنديّ الذي تقول وزارة الدفاع الألمانية "إرسالهم لتدريب الجيش التونسي" هم من سيغيّرون المعادلة العسكرية على الحدود التونسية؟ هل نكتفي بالساتر الترابي والجدار الإلكتروني الذي سيشغّل بحدود 2018، إذا اتفق من سيمدّوننا به، لتأمين تونس ممن كان ولا يزال ينكره عليه بعض الساسة و"صنّاع الرأي" في تونس!
فمن هي هذه الدول التي”تحارب“ التنظيم من جهة وتبتاع منه النفط مقابل تسليحه، من جهة أخرى؟ وعن أي تجفيف للمنابع يتحدّث "البطة العرجاء" باراك أوباما، ومسؤولوه يعلّقون عن تورّط تركيا وغيرها ممّن انضموا إلى التحالف، في الإتجار والاستفادة من تهريب النفط من مناطق سيطرة تنظيم داعش، مُعتبرين أنّ”كمياتها ضئيلة للغاية، وحجمها تافه سواء من ناحية الكمية أو العوائد المالية“؟!!! في حين كانت التقارير ولا تزال تتحدّث عن عائدات الاتجار غير الشرعي بالنفط التي كانت”تبلغ 3 ملايين دولار يوميا!!! قبل بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا منذ شهرين، ل”تتراجع في الآونة الأخيرة إلى 1.5 مليون دولار“! على ذقون من نواصل الضحك؟ أ ليس في مثل هذه المواقف المتضاربة التوفير الفعلي والمباشر لعمليات النهب المربحة، والتغاضي عن تنامي موارد التنظيم وازدياد قوته ونفوذه؟ أ لم يحن بعد الوقت لمراجعة هذه الإستراتيجية التي تعتمد تستأنس بمقاربات هؤلاء الذين يقايضوننا "أمنا" بوصاية خارجية، أما آن الأوان لفكّ الإرتباط بمن يثبت يوميا تورّطهم في السماح لل"طفل الوحشي لتقلّب وغطرسة السياسة الغربية"، على حدّ قول رئيس وزراء فرنسا الأسبق، دومينيك دو فيلبان،Dominique de Villepin ، بالتمدّد -شرقا وغرقا- يهشّ به على مصالحه وله فيه مآرب أخرى؟ أ لم يحن الوقت للتعويل أخيرا على الإمكانات الذاتية والإقليمية مع أشقائنا المعنيين بمحاربة هذه التنظمات والمكتوين بنيرانها، لتكوين هياكل عسكرية وأمنية واستخباراتية مشتركة تتولىّ التصدي –فعليا- للإرهابيين دون أجندات خارجية، أمريكية كانت أم غربية، لا يعنيها غير مقدّرات ليبيا، إعدادا لإلحاق الجزائر، الجائزة الكبرى، إلى مسارح الخراب المنظّم، لا قدّر الله.
أ لا يستحق أبناء بن قردان، بل أبناء بن شجعان، وهذه الجماهير الأبية التي تُعاقب اليوم على تنديدها بقرار وزراء الداخلية العرب في تصنيفهم حزب الله "تنظيما إرهابيا"، التي تصدّت ولا تزال لأنبياء الخراب من "التوحّش" بانتظار "التمكين"، بصدور عارية، في استنساخ لنموذج الرقّة والموصل وسيناء، تحصين جبهاتنا الداخلية سريعا وبجدية، هذه المرة، منعا لكلّ إمكانية إستقطاب ممنهج وتكوين لـ"حواضن داخلية"، ولظهور "خلايا نائمة" في خواصرنا الرخوة حيث التهميش وجيوش "أيتام الجمهورية" والمعطّلين عن العمل وضحايا غسيل المخ و"التجهيل المقدّس"، ممّن اعتبرهم البعض من "المبشّرين بثقافة جديدة"، أو أولئك الذين تمنّى "ألاّ يضربهم الأمريكان وأن يقرّعهم الأمن التونسي بدلا عن ذلك"، أو الذين "لا يزال باب التوبة مفتوحا في وجوههم" بعد "غزوات الإغتصاب والذبح" لإخوة الدم والدين! أ لا يرتقي من يملكون زمام الأمور في تونس إلى مستوى هذه الجماهير وتطلعاتها قبل أن تكنسهم أو يجرفنا الطوفان جميعا؟ قلتم تنظيم مسيرات؟ وزيارة ميدانية لبن قردان؟ يا سلام!
هؤلاء الذين يُراد لنا أن نقنع بقدر وصايتهم المحتوم ليسوا معنيّين مطلقا بمحاربة تنظيم داعش إلاّ بالقدر الذي يؤمّن لهم مصالحهم الحيوية.. مصالحهم فقط! هذه الحقيقة المرّة التي لا يريد أن يستوعبها من يمارسون حالة الإنكار الشيزوفريني! يا سادة لو أمّنت لهم داعش مصالحهم، وهي تفعل، فسيتعايشون معها ولن يرفّ له جفن! وهم "يتعايشون" وبعبعهم الذي فرّخوا تنظيماته وموّلوه ودرّبوه وسلّحوه، يرسلونه أين ومتى شاؤوا وفق أطلس الموارد، في زمن حروب الجيل الرابع التي رسموا بأدواتها خرائط الفوضى الدامية، التي يختزل ملامحها من ينعانا خرائط سايكس-بيكو اعدادا لخرائط جديدة، كمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق مايكل هايدن، Michael Hayden، الذي يصرّح منذ الآن: "إنّ سوريا لم تعد موجودة، والعراق انتهى، ولن يعودا الى ما كانا عليه، وإن لبنان يتفكّك، وليبيا في خبر كان"! فهل يسمع المسؤولون التونسيون مثل هذه التصريحات من هؤلاء الذين يفترض أننا "شركاؤهم" و"حليفهم" الإستراتيجي؟! أين هذه الإستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب؟ أين وكالة الأمن الوطني؟ ثم ما هذه "الحرب على الإرهاب"، التي نخوضها دون رئيس أركان جيوش، والتي ترتبك فيها إرادة سياسية تعيش حالة انفصام، في كلّ محطة ينزف فيها جنودنا البواسل ومدنيونا؟ وبتنسيق استخباري وأمني مع من يسلّمنا المعلومة وفق ما يخطّط له، ومتى شاء! بدل التعويل على امكاناتنا الذاتية. اللحظة جد فارقة! لا مكان فيها للمرتعشة أياديهم أو من يتوّهم أن العمليات الإرهابية مضبوطة الإيقاع بالإستحقاقات والمواعيد الكبرى، محدودة بأطلس جغرافي محصورة زمنيا ومقدور على ترويضها والتعايش معها، لأن قرار مُنفّذيها ليس بأيادهم، بل يمليه من يملك زمام الأمر توقيتا وتجنيدا وتمويلا وتوظيفا!! ومن يتصوّر أن هذا الملف الانفجاري يمكن أن يُتلهّى به ليشكّل الفزاعة التي سيتمّ توظيفها أو التمعّش منها ذات استحقاقات غير مضمونة مطلقا! ألاّ نفعل –وعاجلا- سيكون لتنظيم داعش فسحة من الزمن العدمي النازف لإستكمال”مهمات فوضى مفرّخيه الخلاقة“، ما دام تعاطي هؤلاء "الأصدقاء" الذين يعوّل عليهم وزير الدفاع التونسي وسيمنح "بواخرهم العسكرية وقواتهم الأجنبية بالتواجد في تونس"، مع هذا التنظيم المتمدّد، تعاطي أشبه ب"مسرح العبث"!! آلاف التحيات لبواسل المؤسسات العسكرية والديوانة والأمن الذين يتصدّون -بما لديهم من امكانات- ولأهالينا الأشاوس ببن قردان! حمى الله تونس وباقي الأواني المستطرقة من هذا الوطن المستباح!
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليق على مقال بالصحيفة